شهدت المملكة العربية السعودية في السنوات الأخيرة تحولاً اجتماعياً وثقافياً غير مسبوق، تزامن مع الانفتاح الرقمي الهائل. في قلب هذا التغيير، برزت مجموعة من النساء السعوديات الملهمات اللاتي لم يكتفين بكونهن متابعات للموضة العالمية، بل أصبحن صانعات للتوجهات، وممثلات للهوية السعودية العصرية في مجالات الأزياء والجمال. لم يعد تأثيرهن مقتصراً على حدود المملكة، بل امتد ليصبح صوتاً مؤثراً في المشهد الإقليمي والعالمي.
هذا المقال يستعرض الدور المحوري الذي تلعبه المؤثرات السعوديات (الفاشينيستات وخبراء التجميل) في تشكيل أسلوب الحياة العصري، وتوجيه بوصلة الموضة الحديثة، وتأثيرهن العميق على سوق الاستهلاك وريادة الأعمال.
الجزء الأول: صعود قوة التأثير الرقمي في السعودية
لقد أثبتت منصات التواصل الاجتماعي، وخاصة إنستغرام وسناب شات وتيك توك، أنها الساحة الرئيسية لتبلور قوة المؤثرات السعوديات. هذا الصعود لم يكن محض صدفة، بل جاء نتيجة لعدة عوامل:
1. الاستثمار في الصورة والمرئيات
تتميز المرأة السعودية بارتفاع ذوقها في الأزياء والجمال، مدفوعاً بثقافة تقدير الفخامة والاهتمام بالتفاصيل. استغلت المؤثرات هذا الذوق لتقديم محتوى مرئي عالي الجودة، يعتمد على:
الإتقان في تنسيق الإطلالات: عرض أزياء يومية، أو إطلالات مناسبات، تجمع بين القطع الفاخرة العالمية والتصاميم المحلية.
الجودة السينمائية في التصوير: استخدام إضاءة احترافية وخلفيات جذابة تحول المحتوى إلى مادة بصرية إعلانية بحد ذاتها.
2. الربط بين الأصالة والمعاصرة
يُعد التحدي الأكبر والفرصة الذهبية للمؤثرة السعودية هو الموازنة بين الحداثة والقيم الثقافية. لقد نجحت الرائدات في هذا المجال بتقديم موضة "محتشمة" أنيقة وراقية، تثبت أن الالتزام الثقافي لا يتعارض مع مواكبة أحدث صيحات الموضة العالمية. هذا الأسلوب أصبح علامة فارقة للموضة السعودية المحتشمة التي تحظى باهتمام إقليمي.
3. المصداقية الموجهة (Niche Credibility)
مع تخصص المؤثرات في مجالات دقيقة (مثل العناية بالبشرة، أو مكياج العيون الخليجي، أو تنسيق الإكسسوارات الفاخرة)، أصبح الجمهور يثق بآرائهن كخبراء في مجال محدد، وليس مجرد عارضات أزياء.
الجزء الثاني: أبرز أيقونات الموضة والجمال وتخصصاتهن
تتنوع مجالات المؤثرات السعوديات بشكل كبير، مما يلبي أذواق الجمهور المختلفة:
1. أيقونات الأزياء والـ "فاشينيستات" (Fashionistas)
تركز هذه الفئة على الإطلالات الكاملة، وتنسيق الألوان والقطع، والتعاون مع دور الأزياء العالمية والمحلية:
لما العقيل: تُعد من أبرز الفاشينيستات اللاتي اشتهرن بأسلوبها الأنيق والعملي، وتركيزها على أدق تفاصيل الإكسسوارات والحقائب الفاخرة. تقدم العقيل الموضة بأسلوب يمزج بين الـ "كاجوال شيك" والفخامة الهادئة، ما جعلها قدوة للباحثات عن الأناقة العصرية المناسبة للحياة اليومية.
نجود الرميحي: تتميز بأسلوبها المتنوع والجرئ أحياناً، وتغطيتها لأحداث الموضة العالمية. نجود تمثل المرأة السعودية التي لا تخشى المجازفة في الإطلالات، ولكن ضمن إطار الرقي والذوق العالي.
أروى البنوي: مصممة أزياء سعودية ومؤثرة، اشتهرت بأسلوبها الكاجوال العملي المائل للاحتشام، وقد ألهمت العديد من النساء بتصاميمها التي تلائم الجميع، محجبات وغير محجبات، مما يعكس البعد المهني للمؤثرة.
هلا عبد الله: فاشينيستا ذات ستايل تراندي ومشاكس، تعكس حباً للموضة السريعة والألوان الزاهية، وتجذب شريحة الشباب الباحث عن الإطلالات الجريئة والمواكبة.
2. رائدات المكياج والجمال (Beauty Gurus)
هذه الفئة متخصصة في فنون المكياج والعناية بالبشرة والشعر، وتأثيرهن مباشر في قرارات شراء مستحضرات التجميل:
يارا النملة: بدأت كخبيرة تجميل شابة، وتطورت لتصبح أيقونة في الأزياء المحتشمة والجمال. تتميز بأسلوب مكياج برونزي دافئ وأنيق، وقد حولت شهرتها إلى ريادة أعمال بإطلاق علامات تجارية خاصة بها (مثل مقهى متخصص في الماتشا ومنتجات العناية).
نورة بو عوض: من أشهر خبيرات التجميل السعوديات والخليجيات، يتابعها الملايين لأسلوبها المتقن في مكياج العيون الخليجي الثقيل والأنيق، وتدريبها لخبراء تجميل آخرين.
وعد التركي وهديل الأنصاري: تبرزان في تقديم نصائح العناية بالبشرة، والـ "توتوريالز" المفصلة للمكياج، والتركيز على المنتجات الصديقة للبشرة الحساسة أو المناسبة لأجواء المنطقة.
3. نموذج أسلوب الحياة الشامل (Lifestyle Icons)
هذه المؤثرات يوسّعن محتوهن ليشمل السفر، المطاعم، الديكور، اللياقة البدنية، والتنمية الذاتية، بالإضافة إلى الموضة والجمال:
لجين عمران: إعلامية شهيرة تحولت إلى مؤثرة في أسلوب الحياة، حيث تشارك متابعيها جوانب من حياتها الشخصية ونصائح في الأناقة والسفر والجمال، مع التركيز على المرأة المستقلة والناجحة.
نجلاء الودعاني: تُعرف بمشاركاتها التي تمزج بين الموضة والتفاصيل اليومية التي تحاكي الذوق السعودي، من ديكور المنزل إلى أزياء السفر العصرية.
الجزء الثالث: أسلوب الحياة وتوجهات الموضة الحديثة التي شكلنها
لم تكتفِ المؤثرات السعوديات بمتابعة الموضة، بل أعدن تعريفها لتلائم الذوق السعودي المعاصر.
1. إعادة تعريف الاحتشام (Modest Fashion Redefined)
أصبح الاحتشام (Modesty) في السعودية مرادفاً للأناقة والفخامة، وليس تقييداً للموضة. المؤثرات هن القوة الدافعة وراء:
العباءة العصرية: تحويل العباءة من زي تقليدي بحت إلى قطعة أزياء أنيقة وعصرية، بأقمشة فاخرة، وتطريزات مستوحاة من التراث، وقصات مبتكرة (مثل العباءة المفتوحة، أو ذات الأكمام الواسعة).
الدمج بين الثقافات: التوفيق بين أزياء دور الموضة العالمية (مثل شانيل وديور) وتنسيقها مع العباءة أو الحجاب بطريقة تظهر أناقة القطعتين معاً.
2. تمكين المصممات السعوديات
لعبت المؤثرات دوراً حاسماً في دعم الاقتصاد المحلي وريادة الأعمال النسائية:
سفيرات العلامات المحلية: بدلاً من الاقتصار على الماركات العالمية، أصبحن يسلطن الضوء بشكل مكثف على المصممات السعوديات الصاعدات، مما ساهم في نمو علامات تجارية محلية مثل أروى البنوي وغيرهن.
تحويل الشهرة إلى عمل: العديد منهن اتجهن إلى ريادة الأعمال، بإطلاق خطوط أزياء خاصة، أو مستحضرات تجميل، أو حتى مشاريع خارج المجال (مثل يارا النملة وندى باعشن)، مما يشجع متابعيهن على اقتحام سوق العمل.
3. التوجه نحو الجمال الطبيعي والصحة
تحول التركيز في عالم الجمال السعودي من المكياج الثقيل إلى العناية بالبشرة (Skincare) والصحة واللياقة البدنية:
نصائح العناية بالبشرة: انتشار روتينات العناية اليومية والليلية، والتركيز على المكونات الطبيعية والفيتامينات، مما رفع مبيعات منتجات العناية محلياً.
الـ "لايف ستايل" الصحي: ترويج المؤثرات لأهمية التغذية الصحية وممارسة الرياضة، ما ساهم في كسر الصورة النمطية وتعزيز الوعي الصحي واللياقة البدنية في المجتمع.
الجزء الرابع: التأثير الاقتصادي والاجتماعي
إن قوة المؤثرات السعوديات تتجاوز مجرد عرض الأزياء أو المكياج، لتصل إلى التأثير الاقتصادي والاجتماعي:
1. توجيه السوق الاستهلاكي (Consumer Market Driver)
تعد السعودية أكبر سوق استهلاكي في منطقة الخليج، وتتحكم المؤثرات بشكل كبير في بوصلة الاستهلاك:
تسويق الثقة: تقارير المتابعة تظهر أن نسبة كبيرة من المستهلكين السعوديين (خاصة النساء) يتأثرون بشكل مباشر بآراء المؤثرات قبل شراء منتج معين.
التعاون العالمي: أصبحت العلامات التجارية العالمية (مثل الماركات الفاخرة وشركات مستحضرات التجميل الكبرى) تتخذ من المؤثرات السعوديات بوابة رئيسية للوصول إلى المستهلك في الشرق الأوسط.
2. كسر الصور النمطية وتمكين المرأة
لقد ساهمت هذه المؤثرات في تغيير نظرة العالم للمرأة السعودية:
المرأة الناجحة والمستقلة: أظهرت المؤثرات الجانب العصري والناجح للمرأة السعودية، كامرأة أعمال، ومستثمرة، وسيدة مستقلة قادرة على النجاح والمنافسة العالمية في مجال الإبداع.
تعزيز الهوية الثقافية: من خلال الاحتفاء باليوم الوطني ويوم التأسيس عبر إطلالات مستوحاة من التراث السعودي القديم، يسهمن في تعزيز الهوية الوطنية بأسلوب عصري وجذاب.
الخلاصة
لقد أصبحت المؤثرات السعوديات في مجالات الأزياء والجمال قوة دافعة لا يمكن تجاهلها. إنهن لا يقدمن مجرد محتوى ترفيهي، بل يعكسن تحولاً ثقافياً واجتماعياً عميقاً في المملكة. إنهن رائدات يجمعن بين أناقة الفخامة العالمية وروح الأصالة المحلية، معززات بذلك مكانة المرأة السعودية كشريك أساسي وفاعل في صياغة الذوق العام وأسلوب الحياة العصري. يمثل هذا الجيل من المؤثرات سفيرات


