في خطوة دبلوماسية إقليمية ودولية بالغة الأهمية، استضافت مدينة شرم الشيخ المصرية قمة للسلام، جمعت قادة وزعماء من أكثر من 20 دولة، إلى جانب ممثلين عن منظمات إقليمية ودولية بارزة. جاء انعقاد هذه القمة في وقت حرج يشهد تصعيداً خطيراً في قطاع غزة، عقب الحرب التي اندلعت في أكتوبر 2023. وقد هدفت القمة، التي ترأسها بشكل مشترك الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الأمريكي دونالد ترامب، إلى إنهاء الأعمال القتالية، وتثبيت وقف إطلاق النار، ودفع جهود السلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط. هذا المقال الموسع يستعرض سياق القمة، وأهدافها، ومستوى الحضور، والقضايا المحورية التي نوقشت، والتحديات والآمال المعقودة عليها.
سياق انعقاد القمة والضرورة الملحة للتدخل:
تأتي قمة شرم الشيخ للسلام استجابةً مباشرةً للأزمة الإنسانية والسياسية الطاحنة التي تشهدها غزة. فمنذ بدء العمليات العسكرية في أكتوبر 2023، تعرض القطاع لحرب مدمرة أدت إلى خسائر بشرية ومادية فادحة، وأثارت قلقاً عالمياً واسعاً إزاء مصير المدنيين. وفي ظل هذه التطورات، تصاعدت المطالبات الدولية بضرورة التحرك الفوري لوقف إراقة الدماء، وضمان تدفق المساعدات الإنسانية، والبحث عن مسار سياسي مستدام ينهي هذا الصراع المتجدد.
لقد شكلت مصر، بحكم موقعها الجغرافي ودورها التاريخي في جهود الوساطة، المظلة الطبيعية لاستضافة هذه المفاوضات. وجاءت القمة في أعقاب دخول المرحلة الأولى من اتفاق لوقف إطلاق النار حيز التنفيذ، وهو الاتفاق الذي بُني على خطة اقترحها الرئيس الأمريكي ترمب، مما منح الاجتماع زخماً إضافياً وإحساساً بالإمكانية لتحقيق اختراق حقيقي. كان الهدف الأسمى هو تحويل هذا الهدوء النسبي إلى وقف دائم لإطلاق النار، يليه خطة شاملة لإعادة الإعمار والتعافي.
الأهداف المحورية لـ "قمة شرم الشيخ للسلام":
تمحورت أهداف القمة حول عدة محاور رئيسية، تعكس الرغبة في معالجة الأزمة من جوانبها المختلفة:
إنهاء الحرب في قطاع غزة بشكل دائم: كان الهدف الأساسي هو الاتفاق على خطوات ملموسة لضمان وقف دائم لإطلاق النار، وانسحاب القوات الإسرائيلية من القطاع وفقاً للخطوط المتفق عليها، ووقف كافة أشكال التصعيد العسكري.
تعزيز جهود إحلال السلام والاستقرار الإقليمي: تهدف القمة إلى فتح صفحة جديدة من التعاون الدولي والإقليمي، لا تقتصر على غزة فحسب، بل تمتد لتشمل الأمن والاستقرار الإقليمي الأوسع في الشرق الأوسط. وقد شمل ذلك مناقشة آليات لمنع دخول الأسلحة إلى غزة وتأمين الحدود.
معالجة الأزمة الإنسانية وإعادة الإعمار: تضمنت الأجندة بحثاً معمقاً للجهود اللازمة لإدخال المساعدات الإنسانية بشكل فوري وكافٍ، ووضع خطة دولية لإعادة إعمار القطاع المدمر، لصالح سكانه الذين عانوا كثيراً.
المسار السياسي المستقبلي (حل الدولتين): تطلعت القمة إلى فتح مسار سياسي ذي مصداقية نحو تقرير المصير وإقامة دولة فلسطينية. وقد أشارت بعض الرؤى المطروحة إلى أن إعادة إعمار غزة وتنفيذ برنامج إصلاح للسلطة الفلسطينية يمكن أن يهيئا الظروف اللازمة للتقدم نحو هذا الهدف المنشود.
قائمة الحضور: ثِقَل دولي وإقليمي:
شهدت القمة حضوراً رفيع المستوى ضم قادة ورؤساء وزراء ووزراء خارجية من أكثر من 20 دولة، مما عكس الاعتراف العالمي بضرورة معالجة هذه الأزمة. ومن أبرز القادة والمسؤولين الذين أكدوا حضورهم:
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والرئيس الأمريكي دونالد ترامب (الرئيسان المشتركان للقمة).
قادة أوروبيون: الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، والمستشار الألماني فريدريش ميرتس، ورئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا.
قادة عرب وإقليميون: العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وقادة ومسؤولون من المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات والبحرين والكويت.
مسؤولون دوليون: الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش.
قادة من آسيا: رئيس الوزراء الباكستاني محمد شهباز شريف، وممثلون عن الهند واليابان وإندونيسيا.
ويُلاحظ أن مستوى الحضور الدولي والتمثيل العربي الوازن منح القمة ثقلاً كبيراً، لاسيما وأنها عُقدت بمشاركة عربية تركية بارزة، وبدعم من الولايات المتحدة، مما خلق منصة مثالية للدفع باتجاه توافق دولي حول مستقبل غزة والعملية السلمية.
قضايا الطاولة والمفاوضات الشائكة:
كانت النقاشات على طاولة القمة تدور حول نقاط شديدة التعقيد والحساسية، تتطلب تنازلات وحلولاً إبداعية:
آلية تطبيق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى: رغم دخول المرحلة الأولى حيز التنفيذ، إلا أن ضمان استمرار الاتفاق واستكمال مراحل تبادل الرهائن والسجناء الفلسطينيين كان محوراً رئيسياً. وتضمنت الخطة المطروحة الإفراج عن الرهائن مقابل الإفراج عن عدد من الأسرى الفلسطينيين.
ضمان أمن غزة ومنع عودة التوتر: نوقشت متطلبات تحويل غزة إلى منطقة خالية من التهديدات الأمنية لجيرانها. وتم طرح مقترحات لإنشاء قوة دولية للعمل مع إسرائيل ومصر لتأمين المناطق الحدودية، بالإضافة إلى تدريب قوات شرطة فلسطينية للحفاظ على الاستقرار الداخلي.
إعادة الإعمار والتمويل الدولي: كان ملف إعادة الإعمار، الذي يتطلب مليارات الدولارات، على رأس الأولويات. سعت القمة إلى الاتفاق على آليات لضمان التدفق الآمن والسريع للبضائع والمواد اللازمة لإعادة البناء، وتحديد مساهمات الدول والمنظمات المانحة.
الرؤية السياسية لما بعد الحرب: شكلت المناقشات حول مستقبل السلطة الفلسطينية والمسار نحو حل الدولتين تحدياً كبيراً. وقد أكدت الرؤى المطروحة أنه لن يتم احتلال أو ضم غزة لإسرائيل، وأن التقدم في إعادة الإعمار وتنفيذ الإصلاحات الفلسطينية سيمهد الطريق في النهاية لفتح مسار نحو إقامة دولة فلسطينية.
التحديات والآمال المعقودة على القمة:
واجهت القمة تحديات جمة، أبرزها:
غياب الأطراف الرئيسية: لوحظ غياب السلطة الفلسطينية وحركة حماس عن الدعوة، على الرغم من أن حماس كانت تجري مفاوضات في شرم الشيخ. كما غابت إسرائيل رسمياً عن الحضور، بينما رفضت إيران دعوة الحضور، مما أثار تساؤلات حول مدى الشمولية وتأثير القرارات المتخذة على الأرض.
شكوك حول الالتزام: عبّرت بعض الأطراف، مثل العراق، عن عدم ثقتها باحترام إسرائيل لوقف إطلاق النار، مما يؤكد صعوبة بناء الثقة في المنطقة.
الحاجة إلى التوافق الدولي: يتطلب تحقيق السلام المستدام توافقاً حقيقياً بين القوى الإقليمية والدولية حول جميع التفاصيل، وهو أمر صعب المنال في ظل تعدد المصالح والأولويات.
ومع ذلك، تبقى الآمال كبيرة في أن تكون قمة شرم الشيخ نقطة تحول تاريخية. إن اجتماع هذا العدد الكبير من القادة والمسؤولين الدوليين تحت هدف مشترك هو في حد ذاته انتصار للدبلوماسية. كما أن طرح خطة مفصلة لوقف إطلاق النار وإعادة الإعمار والتقدم السياسي يمثل أساساً صلباً يمكن البناء عليه. الرهان الأكبر هو تحويل التفاهمات النظرية إلى إجراءات عملية قابلة للتطبيق على الأرض، لإنهاء معاناة سكان غزة وفتح آفاق حقيقية للسلام في المنطقة.
خاتمة:
تُمثل قمة شرم الشيخ للسلام جهداً دولياً وإقليمياً حاسماً للتدخل في إحدى أخطر الأزمات التي يواجهها الشرق الأوسط. وبينما تظل التحديات هائلة، خاصة في ظل تعقيدات الصراع وغياب بعض الأطراف الفاعلة، فإن الحضور الرفيع والمكثف والتركيز على خطة عمل شاملة لوقف الحرب وإعادة الإعمار وفتح مسار سياسي، يشير إلى إمكانية أن تكون هذه القمة البوابة لصفحة جديدة من الأمن والاستقرار. إن نجاح هذه القمة يُقاس بمدى تحويل القرارات إلى واقع ملموس يحفظ الأرواح، ويعيد الأمل، ويدفع نحو تحقيق طموحات الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته.